د. . محمد سليم سالمان يكتب ..الغاز بين الإنتاج المحلي والاستيراد وحقل ابوسنان
الخميس 19-06-2025 18:02

على مدار السنوات الماضية، شكل الغاز الطبيعي أحد أعمدة استراتيجية الطاقة المصرية، مع إعلان الحكومة تحقيق الاكتفاء الذاتي في 2018، والتطلع إلى التحول لمركز إقليمي للطاقة. لكن المشهد بدأ يتغير تدريجياً منذ 2022، مع تصاعد الاعتماد على واردات الغاز من إسرائيل، مقابل تراجع ملحوظ في إنتاج الحقول المحلية. ومع كثرة الإعلانات عن اكتشافات جديدة متواضعة الحجم، مثل كشف “أبو سنان” الأخير، يتساءل الكثيرون: هل نحن بصدد تحوّل حقيقي في سياسة الطاقة؟ وهل هناك توجه لتقليص الإنتاج المحلي لصالح الاستيراد؟
المحور الأول: أرقام الإنتاج المحلي والتراجع الأخير
ذروة الإنتاج المحلي للغاز الطبيعي في مصر سجلت 7.2 مليار قدم مكعب يومياً عام 2021.
خلال 2022 و2023، بدأ الانخفاض التدريجي ليصل إلى:
6.2 مليار قدم مكعب يومياً في منتصف 2023
5.5 مليار قدم مكعب يومياً مع بداية 2024
العوامل الفنية: التراجع الطبيعي في الحقول (decline rate) مع غياب خطط تطوير كافية للحقول القائمة أو الإسراع بمشروعات غرب المتوسط ودلتا النيل.
المحور الثاني: ارتفاع واردات الغاز الإسرائيلي
بدء الاستيراد التجاري الفعلي: يناير 2020
الكميات المستوردة تطورت كالآتي:
2020: 2-3 مليار م³
2021: 5-6 مليار م³
2022: 7-8 مليار م³
2023: قرابة 10 مليار م³
خطط 2024 (قبل الحرب الأخيرة): زيادة إضافية قد تتجاوز 12 مليار م³
التسهيلات: خط أنابيب شرق المتوسط (EMG) بطاقة تصل إلى 900 مليون قدم مكعب يومياً.
المحور الثالث: كلفة الاكتشافات المحلية وحدودها
الكشف الأخير بحقل أبو سنان:
إنتاج يومي 1400 برميل نفط + 1 مليون قدم مكعب غاز.
بالمقارنة مع الاستهلاك المحلي:
مصر تستهلك يومياً 6.5 – 7 مليار قدم مكعب من الغاز.
وتستهلك 750 ألف برميل يومياً من النفط ومشتقاته.
“إذن، الكشف الأخير لا يبرر هذا الزخم الإعلامي، دون التقليل من أهميتة حتى لو بالقليل فى تلبية احتياجات مصر اليومية المتزايدة من الغاز.”
المحور الرابع: هل هناك توجه استراتيجي لخفض الإنتاج وزيادة الاستيراد؟
من الناحية الرسمية: لا توجد تصريحات واضحة بتخفيض متعمد للإنتاج المحلي.
من خلال متابعة المشهد:
ضعف وتيرة الاستثمارات الجديدة في الحقول.
اعتماد متزايد على الاستيراد نظراً لسهولة الإجراءات، مرونة الدفع، والسعر التنافسي نسبياً .
النتيجة: الاعتماد على الغاز المستورد يغطي حالياً قرابة 15-20% من الاستهلاك المحلي، وهي نسبة مرشحة للزيادة.
التحليل السياسي والاقتصادي:
هناك “ميل إداري” وليس بالضرورة “مؤامرة”، لكن فعلاً: السياسات الحالية تعطي الأفضلية للاستيراد على حساب دعم الإنتاج المحلي.
ربما لم يتم “التخطيط لخفض الإنتاج”، ولكن عدم التحرك السريع لصيانته وزيادة الاستثمارات يؤدي عملياً إلى خفض الإنتاج.
بعض الأصوات تقول إنه قد يكون هناك “تشجيع ضمني” لزيادة الاستيراد من إسرائيل لأسباب سياسية واقتصادية (شروط التعاقد + علاقات استراتيجية + ضغط مؤسسات التمويل الدولية).
هناك فعلاً علاقة واضحة بين انخفاض الإنتاج المحلي وزيادة استيراد الغاز الإسرائيلي.
المحور الخامس: المخاطر والتوصيات
المخاطر:
فقدان استقلالية القرار في ملف الطاقة.
الاعتماد على مصدر واحد عالي المخاطر الجيوسياسية.
ضغوط إضافية على ميزان المدفوعات والعملة الصعبة.
التوصيات:
الإسراع في تطوير الحقول المصرية وضخ استثمارات تعويضية للحد من التراجع الطبيعي في الإنتاج.
تبني خطة واضحة لحماية الأمن القومي في قطاع الطاقة.
مراجعة شاملة لاستراتيجية تحرير سوق الغاز للسماح للمستهلكين المؤهلين بطرح مناقصات للشراء باسعار تنافسية.
الخاتمة:
يبقى ملف الغاز أحد أعقد وأخطر الملفات على المدى المتوسط في الاقتصاد المصري، حيث التحول من دولة مكتفية ذاتياً إلى مستورد صافٍ للغاز من مصدر وحيد مما يثير الشك والريبة على اجراءات ربما تكون متعمدة ، والمطلوب اليوم إرادة سياسية واضحة من خلال حوكمة مؤسسية شاملة وحوكمة اجراءات ولا نكتفى ببناء سيناريوهات للمخاطر فقط ، وصناعة استراتيجية متوازنة بين الإنتاج المحلي والاستيراد، تحفظ لمصر ما حققته من مكانة في أسواق الطاقة العالمية.
تنويه:
الأرقام والبيانات الواردة في هذا المقال تقديرية، وهي مبنية على مصادر من الانترنت وتحليلات مهنية، ولا يُعتمد عليها كمصدر رسمي.