رئيس التحرير
ads

د. محمد سليم يكتب ..”استراتيجية الشبكات الذكية: من التدرج إلى الحسم

الخميس 08-05-2025 11:46

 

في أوقات التغيير وصناعة القرار، تبرز أهمية الكلمة الصادقة والرأي الوطني المجرّد من أي مصلحة شخصية ، ومن هذا المنطلق، آثرت على نفسي أن أشارك برأيي بكل وضوح وتجرد، واضعًا مصلحة الوطن فوق أي اعتبار، هكذا دورى فى الحياة منذ زمن بعيد حتى وإن كان لذلك بعض التأثيرات السلبية المؤقتة على مسيرتي المهنية.

فإيماني العميق بأن نفع الوطن يسمو فوق أي مكسب فردي، وأن أعمارنا مهما طالت قد لا تكفي لحجم العطاء المطلوب، يدفعني دومًا إلى الكتابة والمشاركة الإيجابية دون حسابات ضيقة أو مصالح خاصة معتقدا أن النقد البنّاء والمبادرة بالرأي مسؤولية وطنية.

وعليه، عندما شاركت في الحلقة النقاشية حول مستقبل الشبكات الذكية، لم أتردد في الدفاع الصريح عن ضرورة تبني رؤية شاملة تجمع بين الشبكات المعزولة والشبكات المتصلة، لما في ذلك من منفعة استراتيجية واقتصادية تعود على الدولة بأكملها ، فما زلنا فى البداية وفرص التعديل مازالت قائمة .

وفى هذا الصدد تذكرت برنامج اعداد القادة عام 1999 واساليب التحسين المتنوعة من خلال مقارنة شاملة بين ثلاث منهجيات رئيسية للتحسين والتغيير:

حل المشكلات (Problem Solving)

التحسين المستمر (Continuous Improvement)

إعادة الهيكلة (Reengineering)

إعادة الهيكلة

التعريف :

حل المشكلات: هو رد فعل لمشكلة حالية، يُعالج موضوعًا محددًا، ويُناسب المشكلات الظرفية أو التشغيلية، ويُعتبر الخيار الأقل تكلفة ومخاطرة.

التحسين المستمر: منهجية ثقافية تشمل جميع الأفراد، وتقوم على التدرج والتحسينات المتواصلة. تعتمد على فلسفة مثل Kaizen وتُستخدم للحفاظ على التنافسية والاستدامة.

إعادة الهيكلة (Reengineering): نهج جذري، يعيد تصميم كل شيء من الصفر. يحتاج إلى قيادة قوية، تمويل جيد، وغالبًا يُستخدم عند الحاجة لتغيير جذري في وقت قصير.

ويمكن الاستفادة من هذا الجدول كمرجع استراتيجي في:

إعداد دراسات الجدوى الإدارية.

اتخاذ قرار حول كيفية قيادة تحول مؤسسي.

تدريب الموظفين والإدارة العليا على فهم فلسفة التغيير.

تحديد نوع التدخل المناسب حسب درجة الأزمة أو التحديات.

لماذا لا نختار التغيير دفعة واحدة؟ قراءة في توجه الحكومة نحو الشبكات الذكية المعزولة

في إطار النقاش المفتوح الذي جمع بالأمس خبراء من مجالات الكهرباء والطاقة المتجددة، وممثلين عن الشركات المنفذة، والمستثمرين، وجهاز تنظيم مرفق الكهرباء، ووزارة التخطيط ، والاستشاري الأوروبي، طُرح موضوع محوري يتعلق بمستقبل الشبكات الذكية في مصر، خاصة في المناطق البعيدة التي لا تخدمها الشبكة القومية.

تم طرح خيار استراتيجي إنشاء شبكات ذكية معزولة (Isolated Smart Grids). فى المناطق النائية والتى لا تتوفر لديها الشبكة القومية ودون النظر والاعتبار للاختيار الاستراتيجى إنشاء شبكات ذكية متصلة (Connected Smart Grids) فى الوقت الحالى .

ورغم أن الهدف الاستراتيجى : توفير الطاقة للجميع، وتقليل الاعتماد على الوقود المستورد، وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة، إلا أن الحكومة عبّرت عن تفضيلها للتوجه التدريجي، بالتركيز على الشبكات المعزولة فقط، فى المرحلة الاولى وتأجيل فكرة الربط بالشبكة القومية.

هل هو التوجه الأنسب؟ ولماذا لا نختار الحل دفعة واحدة؟

وبالرجوع الى الجدول المقارن لأساليب التحسين المختلفة، والذي يصنف التغيير إلى ثلاث فئات:

حل المشكلات (تحسين موضعي محدود).

التحسين المستمر (تدريجي).

إعادة الهيكلة (تغيير جذري دفعة واحدة).

يبدو أن الحكومة، في هذا السياق، اختارت منهج التحسين التدريجي، خوفًا من:

مخاطر الربط التقني المبكر بالشبكة القومية.

انخفاض عائدات شركات التوزيع .

القدرات المؤسسية والتنظيمية الحالية.

التركيز على الحلول التدريجية والمعزولة قد يؤدي إلى:

ارتفاع تكلفة الإنتاج في المشاريع الصغيرة المعزولة.

ضعف إمكانية الاستفادة من فائض الطاقة.

هدر الاستثمارات في قدرات لا تُستخدم إلا لفترات قصيرة (حمل الذروة).

ضعف جاذبية هذه المشاريع للاستثمار الخاص

لكن أليس هذا التوجه حذرًا أكثر من اللازم؟ هل يكفي في مواجهة التحديات الوطنية المتعلقة بالطاقة والفاتورة الاستيرادية والاستدامة؟ هنا أطرح دعوة للتفكير في خيار التغيير الجذري، على طريقة “الورقة النظيفة” التي تحدث عنها الجدول، وذلك للأسباب التالية:

أولاً: رؤية واضحة بحاجة إلى بنية مرنة

الهدف الاستراتيجي ليس مجرد كهربة قرية نائية، بل إعادة تشكيل منظومة الطاقة نحو الاستدامة، وهذا يتطلب بنية تحتية قابلة للتوسع والربط، وليس مجرد أنظمة معزولة قد تصبح عبئًا في المستقبل عند محاولة ربطها أو تطويرها.

ثانيًا: تحقيق الجدوى الاقتصادية الشاملة

الشبكة الذكية المعزولة تتطلب استثمارات عالية لتفادي مخاطر الإظلام الكامل، مما يفرض على المستثمر إنشاء قدرات إنتاج إضافية لتغطية حمل الذروة ، غير أن هذه القدرات تبقى غير مستغلة خارج أوقات الذروة، مما يعني هدرًا في الاستثمار ورفعًا لسعر بيع الطاقة لتعويض التكاليف.

أما في حالة الشبكة الذكية المتصلة، فإن نسبة المخاطر تنخفض إلى النصف بفضل تبادل الطاقة مع الشبكة القومية أو شبكات أخرى، وبالتالي تُستخدم الموارد بطريقة اقتصادية أكثر كفاءة وتصبح تعريفة البيع أكثر عدالة وتنافسية.

ثالثًا: تعزيز ثقة المستثمر

المستثمرون ينظرون إلى قابلية النمو والتكامل مع السوق الوطني، وليس فقط عائد مشروع معزول. كلما كانت الشبكة قابلة للربط والتوسع، زادت جاذبيتها الاستثمارية وقلّت مخاطرها.

رابعًا: التمكين الرقمي والإداري

الشبكات الذكية المتصلة تتيح للحكومة:

جمع وتحليل البيانات على نطاق أوسع.

استغلال فائض الطاقة المتجددة بين الشبكات عبر منصة تبادل طاقة على مستوى وطني..

تشجيع الحلول الابتكارية كالعدادات الذكية والإنتاج المنزلي للطاقة.

وفى الختام اقدم هذه المقارنة البسيطة:

 

الختام: دعوة إلى التغيير الاستراتيجي

ربما يُبرر البعض التوجه التدريجي بأنه أكثر أمانًا، لكن التحديات الراهنة لم تعد تسمح بإصلاح بطيء. نحن أمام فرصة لإحداث تحول جذري في قطاع الكهرباء والطاقة، بما يخدم الأمن القومي، ويخفف فاتورة استيراد الوقود، ويحفّز التحول الأخضر، ويمنح المواطنين والمستثمرين بنية تحتية حديثة ومستدامة. لماذا لا نختار الحل “دفعة واحدة”؟

ads

اضف تعليق