د. محمد سليم يكتب ..تسعير الكهرباء في مصر..إصلاح مرحلي أم دعوة لتحرير السوق؟
الثلاثاء 23-09-2025 08:25

د. محمد سليم
أصدر معالي وزير الكهرباء والطاقة المتجددة د. محمود عصمت توجيهاته بتوحيد سعر بيع الكهرباء من الشركة المصرية لنقل الكهرباء إلى شركات التوزيع عند 205.7 قرش/ ك.و.س، لضبط موازنات شركات التوزيع ومنع تدخل الشركة القابضة للكهرباء في تباين تحديد الأسعار، حيث كان بتوجيه تصبح شركة التوزيع كسبانة او بتوجيه اخر تصبح خسرانة ، .
هذه الخطوة تعد إصلاحًا مرحليًا يهدف لتحقيق العدالة بين شركات التوزيع، لكنها رغم أهميتها، كشفت عن إشكاليات جوهرية في آليات التسعير، وتعيد إلى الواجهة تساؤلًا محوريًا عن غياب تحرير سوق الكهرباء وضرورة الاعتماد على المناقصات التنافسية بدلاً من التعاقدات المباشرة ومتى ننتقل إلى تحرير سوق الكهرباء كخيار استراتيجي للاستدامة؟
المحاور
1. أهداف القرار وأثره المباشر
ضبط الموازنات والميزانيات لشركات التوزيع.
منع التدخل المركزي من الشركة القابضة في تحديد ربحية أو خسارة أي شركة.
إتاحة فرص التنافس بين شركات التوزيع عبر تحسين الأداء وخفض الفقد.
2. تفاوت أسعار الشراء من الإنتاج
وفقًا للتقديرات المالية المحدثة لموازنة 2025/2026، تباينت أسعار بيع الطاقة من شركات الإنتاج إلى شركة النقل على النحو التالي:
شركة القاهرة للإنتاج: 211 قرش/ك.و.س
شركة شرق الدلتا: 216 قرش/ك.و.س
شركة وسط الدلتا: 188 قرش/ك.و.س
شركة غرب الدلتا: 210 قرش/ك.و.س
شركة الوجه القبلي: 222 قرش/ك.و.س
محطة سيمنز: 174.7 قرش/ك.و.س
محطة بني سويف: 173 قرش/ك.و.س
محطات الـ BOOT: 214 قرش/ك.و.س
المحطات المائية: 17 قرش/ك.و.س
السعر الموحد لشركات التوزيع: 205.7 قرش/ك.و.س
هذا التنوع يعكس:
اختلاف كفاءة المحطات وخليط الطاقة لكل شركة انتاج (غازية – بخارية – مركبة – وحدات قديمة ام حديثة).
الفارق في نوع الوقود المستخدم (غاز طبيعي، مازوت).
الأعباء التمويلية (قروض، فوائد، مصاريف تشغيلية، اهلاك).
3. فجوة الخسارة على شركة النقل
حين تشتري شركة النقل من محطات بسعر أعلى من 205.7 مثل الوجه القبلي 222 أو BOOT 214وتبيع للتوزيع بالسعر الموحد، تتحمل خسارة محاسبية مباشرة.
هذا الوضع يضعف المركز المالي لشركة النقل، ويحولها من مشغل مستقل للشبكة (ISO) إلى “تاجر خاسر”.
تراكم الخسائر ينعكس على عجزها عن الاستثمار في:
تطوير الشبكة.
خفض الفقد.
تحسين جودة الخدمة.
4. ضرورة اعتبار معاملات تصحيحية لشركات التوزيع
الفقد الفني يختلف حسب طبيعة الشبكات:
خطوط هوائية طويلة = فقد أعلى.
كابلات أرضية = فقد أقل.
العدالة الحقيقية تقتضي إدخال معاملات تصحيحية تعكس الواقع الجغرافي للشبكات ونسبة كل مكون في الشبكة.
5. شركة النقل والتعاقدات المباشرة للطاقات المتجددة والتخزين
إن التوسع في التعاقدات المباشرة مع مطوري مشروعات الطاقة المتجددة مشروعات شمسية ورياح وبطاريات مستقلة بالأمر المباشر يكبّل ويعيق شركة النقل ويمنعها من أداء دورها الطبيعي كـ مشغل مستقل للشبكة (Independent System Operator – ISO)، حيث يفترض أن تقتصر مهمتها على إدارة الشبكة وضمان الحياد في تشغيلها بعيدًا عن أي التزامات تجارية مباشرة.
وليس من المنطقي أن يُفهم هدف الوصول إلى 42% طاقة متجددة بحلول 2030 على أنه مبرر للتعاقدات المباشرة، بل يجب أن يكون محفزًا لفتح السوق أمام مناقصات تنافسية شفافة تضمن الحصول على أنسب الأسعار وأفضل الشروط.
غياب الإفصاح عن الأسعار يقوض الشفافية ويجعل التقييم المالي غير ممكن وخاصة محطات البطاريات المستقلة وطريقة الحساب .
6. الأثر الاقتصادي الكلي
استمرار هذا النموذج التقليدى يزيد من:
ديون قطاع الكهرباء المتراكمة (محليًا وخارجيًا).
أعباء الموازنة العامة عبر دعم غير مباشر يغطي فجوات الأسعار.
كما يُضعف قدرة مصر على جذب الاستثمارات الأجنبية بدلا من عدد محدد ومعين لجميع المشروعات ، لأن المستثمر يفضل بيئة تنافسية شفافة.
8. الحلول المقترحة
التحول من النموذج التقليدي إلى السوق التنافسي هو السبيل لتحقيق الاستدامة.
إدخال آليات تسعير شفافة، ومراعاة الفقد الفني والتجاري في تقييم أداء شركات التوزيع.
دعم الحوكمة ومنع تضارب الأدوار بين الجهات (الإنتاج – النقل – التوزيع – المنظم).
إطلاق سوق تنافسي تدريجيًا
مناقصات للطاقة المتجددة بأسعار معلنة.
منصة وطنية لتداول الكهرباء (Spot Market).
الربط بالاستدامة
تحرير السوق يضمن دخول مطور طاقات متجددة جديدة وأكثر كفاءة.
يعزز التوافق مع التزامات مصر الدولية (خفض الانبعاثات، استثمارات خضراء).
الخاتمة
قرار توحيد سعر بيع الكهرباء عند 205.7 قرش/ك.و.س خطوة إصلاحية مرحلية لضبط الموازنات وتعزيز العدالة بين الشركات، لكنها ليست كافية لتحقيق أهداف الاستدامة وكشف الخلل الهيكلي الذي يجعل شركة النقل تتحمل خسائر مباشرة ويكبلها عن أداء دورها كمشغل محايد للشبكة.
الحل الحقيقي لا يكمن في مزيد من التدخلات الإدارية، بل في تحرير سوق الكهرباء تدريجيًا عبر مناقصات شفافة، فصل الأدوار، ومعالجة الدعم، بما يحقق استدامة مالية للقطاع، وعدالة للمستهلك، وجاذبية للاستثمار.