د. مهندس محمد سليم يكتب..آن الأوان لتصويب مجالس الإدارات مع قواعد الحوكمة الرشيدة
الأحد 08-06-2025 12:09

بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، أتقدّم بخالص التهاني وأطيب الأمنيات إلى معالي السادة الوزراء، والزملاء العاملين في مختلف قطاعات الدولة، راجيًا من الله أن يعيده على الجميع بالخير واليُمن والبركات، وأن يشهد وطننا مزيدًا من الاستقرار والنمو والحوكمة الرشيدة.
وفي ضوء ما تشهده الدولة المصرية من توجهات استراتيجية جادة نحو جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتحرير سوق الطاقة، وطرح عدد من الشركات في البورصة المصرية، يبرز من جديد وبقوة ملف الحوكمة المؤسسية كشرط رئيسي لنجاح هذه التحولات.
فلا يمكن تصور تحقيق بيئة استثمارية آمنة وشفافة دون أن تكون هياكل الشركات العامة والخاصة قائمة على مبادئ الحوكمة الرشيدة.
ومن ثم، يصبح من الضروري، بل ومن العاجل، تصويب بعض الأوضاع القائمة في تشكيل وإدارة مجالس إدارات الشركات التابعة، بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، ويعزز الثقة في قدراتنا المؤسسية أمام المستثمرين والجهات الرقابية والمالية.
ما زالت الإشكاليات قائمة
رغم الخطوات الإيجابية التي تم اتخاذها، مثل قيام معالي الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة السابق، بنفي عضويته في شركة “الماكو” وتصحيح الشركة للبيانات المنشورة على موقعها الإلكتروني، فإن الواقع المؤسسي لا يزال يعاني من تداخلات غير منطقية ومخالفة لجوهر الحوكمة، ومن أبرزها:
الجمع بين رئاسة مجالس إدارات أكثر من شركة في نفس الوقت.
عضوية عدد كبير من المجالس لشخص واحد، سواء كعضو غير تنفيذي أو منتدب.
تكرار الأسماء في أغلب المجالس، دون تمثيل كافٍ للكفاءات الشابة أو المستقلة.
غياب معايير التفرغ أو التقييم الموضوعي للأداء.
الوقت والفعالية لا يتجزآن
إذا كان أحدهم يشغل منصب رئيس مجلس إدارة وعضوًا منتدبًا في شركة كبرى تضم العديد من الشركات التابعة ذات الطابع التشغيلي والخدمي، فمن أين له الوقت الكافي ليقدم قيمة مضافة حقيقية في أكثر من شركة أخرى؟
وهل الهدف هو تحقيق التكامل المؤسسي وتبادل الخبرات؟ أم أن ما يجري في الواقع هو تجميع للمناصب وتعظيم للمستحقات المالية على حساب جودة الأداء وحوكمة القرار؟
إن توزيع الوقت والجهد على عدة مواقع لا يؤدي إلا إلى إضعاف الفاعلية المؤسسية، ويخلق بيئة مريحة للبعض لكنها طاردة للكفاءات الحقيقية، وتفقد المجالس دورها الرقابي والاستراتيجي لصالح ممارسات شكلية.
ويكفينا هنا التذكير بالحكمة الشعبية:
“صاحب بالين كذّاب، وصاحب ثلاثة منافق” — وهي وإن كانت مثلًا دارجًا، إلا أنها تُعبّر عن واقع يتناقض تمامًا مع فلسفة الحوكمة التي تقوم على التفرغ، والمساءلة، والشفافية، وتحديد المسؤوليات.
دعوة للتدخل العاجل
من هذا المنطلق، فإننا ندعو السادة الوزراء المعنيين، إلى:
إعادة تقييم تشكيل مجالس الإدارات في الشركات التابعة لهم، ووضع معايير واضحة لعدد العضويات المسموح بها للفرد الواحد.
منع الجمع بين رئاسة أكثر من مجلس إدارة أو العضوية التنفيذية في أكثر من شركة.
إشراك كفاءات مستقلة ومتخصصة من خارج الدائرة المغلقة المعتادة، لضخ دماء جديدة وتعزيز الرقابة.
إنشاء قاعدة بيانات موحدة لعضويات المجالس على مستوى الوزارات الثلاث، لضمان الشفافية وتفادي التكرار والتضارب.
الرسالة الأهم
إن الحوكمة ليست توزيع مناصب، بل تحمّل مسؤوليات، وليست تعدد مواقع، بل تحقيق نتائج مستدامة.
وأي إصلاح حقيقي لن يتحقق إلا إذا بدأ من تصويب هياكل الحكم الداخلي للمؤسسات.
ولا يليق بقطاعات حيوية مثل الكهرباء والبترول وقطاع الأعمال أن تُدار بأسلوب تعدد الولاءات وعدم المطابقة لقواعد الحوكمة الرشيدة، في وقت نُطالب فيه بالانضباط، والكفاءة، والتحول المؤسسي الحقيقي وتحرير سوق الطاقة وطرح الشركات فى البورصة ومشاركة القطاع الخاص.
الفرصة لا تزال قائمة، والإرادة السياسية متوفرة، وما نحتاجه هو فقط قرارات واضحة وجرأة في التنفيذ، لتصبح الحوكمة واقعًا وليس مجرد شعار، ام لا زالت هناك قوى خفية تتحكم فى الامور.